إن ما نلمسه من خلال النصوص الدينية من تأكيد على أهمية الزواج.(من تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر).، وما يتفرع عنه من اختيار للشريك (تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس) و (تخيروا لنطفكم)، وما يستتبعه من تواضع في المهور. (لا تغالوا في مهور النساء)، وما يترتب عليه من حقوق متبادلة بين الزوجين (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وما ينتج عن هذا الزواج من ثمرة، بدءا من توقيت انعقاد النطفة، وما يحيط بتلك اللحظة من ظروف وأوضاع تكوينية ونفسية وجسدية وغيرها، واستمرار ذلك في فترة الحمل والرضاع (انظروا من يرضع أولادكم، فإن الولد يشب عليه)، بل وحتى في مرحلة النفاس، ثم ذلك الكم الهائل من النصوص التي ترسم الطريق التربوي الذي ينبغي للوالدين السير عليه، من أجل نتاج بشري إيماني.
كل ذلك، يدل على أن البناء الأسري يجب أن لا يأتي عفويا ودون تخطيط مسبق، ـ كما هو عليه الواقع ـ بل يجب أن يكون قائما على أسس واعية وتخطيط مدروس ومنظم، حال الأسرة في ذلك حال أي مؤسسة أخرى، لا بل إن كونها أهم مؤسسة إنسانية يعطيها الأولوية الأكيدة في هذا الجانب.
إن بناء الأسرة في الحقيقة هو أضخم مشروع يقدم عليه الإنسان، ولا بد لأي مشروع من دراسة متأنية، ورسم للخطوط والأهداف التي يتحرك فيها هذا المشروع، وعدم الإقدام على أي خطوة قبل دراسة جدواها ومدى تأثيرها المستقبلي عليه.
وبالنظر إلى طبيعة العلاقات المعقدة التي يفرزها تكوين الأسرة: (أم ـ أب) (أم ـ ابن) (أب ـ ابن)، فإن ضرورة تنظيم هذا المشروع (الأسرة) قانونيا وأخلاقيا، لا مفر منه، لتبقى تلك الرابطة دائمة ومبنية على أسس واضحة وسليمة كما أراد لها الإسلام ذلك، وكما حرص على الاهتمام بكل تفاصيلها.
لكن ما يحكيه الواقع مع الأسف هو عشوائية هذا البناء لدى الأغلبية من الأسر في مجتمعاتنا رغم ذلك الزخم الكبير من التعاليم السماوية المتمثلة في الآيات الشريفة، وفي أحاديث أهل البيت عليهم السلام ـ كما أسلفنا ـ وهذا مرده إما لعدم الفهم الواعي لهذه النصوص، أو إلى البعد أساسا عنها وعدم الارتباط الروحي بها، ما يستلزم أن يعيد مثقفونا صياغة الرسالة التربوية التي يوجهونها للمجتمع، وقولبتها بقوالب تتلمس الواقع، وتتماشى مع طريقة الخطاب الراهن، وتوظف النصوص الدينية في هذا الاتجاه، لتحقيق الارتباط الواعي بهذه التعاليم السماوية